الموشحات في الأندلس
الموشح ضرب من ضروب الشعر استحدثه المتأخرون بدافع الخروج على نظام القصيدة والثورة على النهج القديم للقصيدة وانسجاماً مع روح الطبيعة الجديدة في بلاد الأندلس واندماجاً في تنوع التلحين والغناء.
الموشحات فن أنيق من فنون الشعر العربي اتخذ قوال بعينها في نطاق تعدد الأوزان الشعرية، وكان ظهوره في نطاق إطاره هذا بأرض الأندلس، وقد اتسعت الموشحات لاحتضان كل موضوعات الشعر وأغراضه بحيث أن النقاد القدامى حين حددوا فنون الشعر بسبعة حدود جعلوا الموشح واحداً من هذه الفنون التي حصرها الأبشيهي في الشعر القريض،والموشح،والدوبيت، والزجل، والمواليا، والكان كان، والقوما.
ما الموشحة؟ ما الوشاح؟
يقول صاحب لسان العرب نقلاً عن الجوهري في صحاحه: ( الوشاح يُنسج من أديمٍ عريض ويُرصّع بالجواهر،وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها).
المراد بالعاتق:مابين العنق والكتف، وبالكشح: الخاصرة التي يدور الحزام حولها.
ولعل هذا النوع من الوشاح مما كان يتخذه أهل البوادي،فينسجون أديماً عريضاً من سيور رفيعة، ثم يرصّعونه بالجواهر المختلفة الأقدار والألوان على نسب خاصة، ثم تشده المرأة في الأعراس ونحوها بين عاتقيها وكشيحها بصيغة التثنية أي أنها تتخذ وشاحين، وربما فعله بعض النسوة مبالغة في الزينة أو تظاهراً بالغنى والثراء.
ويقول الأستاذ مصطفى السقا في كتابه المختار من الموشحات تعليقاً على السطور السابقة: ( هذا أصل معنى الموشحات كما جاء في معاجم اللغة،وقد توسع العرب في الكلمة، فأطلقوها مجازاً على أشياء منها القوس فتكون في وضعها على الكتف أشبه بالوشاح،ومنها الثوب يلتف به صاحبه كما كما يوضع الوشاح بين العاتق والكشح، ومنها السيف سموه وشاحاً على التشبيه به لأن صاحبه يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه الأيسر ويكون الأيمن مكشوفاً،وربما يُسمى السيف وشاحة ـ بالتاءـ أيضا كما يُقال إزار و إزارة، وقد يُسمى الكشح وشاحاً لأن الوشاح يُعقد عند الكشح يُقال امرأة غرثى الوشاح إذا كانت هيفاء.
الموشح فن شعري مستحدث، يختلف عن ضروب الشعر الغنائي العربي في أمور عدة، وذلك بالتزامه بقواعد معينة في التقنية وبخروجه غالباً على الأعاريض الخليلية، وباستعماله اللغة الدارجة أو الأعجمية في خرجته،ثم باتصاله القوي بالغناء.
ومن الملفت أن المصادر التي تناولت تاريخ الأدب العربي لم تقدم تعريفاً شاملاً للموشح، واكتفت بالإشارة إليه إشارة عابرة حتى أن البعض منها تحاشى تناوله معتذراً عن ذلك بأسباب مختلفة. فابن بسام الشنتريني لايذكر عن هذا الفن خلا عبارات متناثرة أوردها في كتابه الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وأشار إلى أنه لن يتعرض للموشحات لأن أوزانها خارجة عن غرض الديوان، ولأن أكثرها على غير أعاريض أشعار العرب. أما ابن سناء الملك فيقول: ( الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له الأقرع، فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات).
سبب تسميتها بالموشحات:
سمي موشحاً لأناقته وتنميقه تشبيهاً له بوشاح المرأة. إن الموشحات الشعرية إنما سميت بذلك لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرساً موسيقياً لذيذاً ونغماً حلواً تتقبله الأسماع، وترتاح له النفوس،وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشح فلذلك أطلق عليها (الموشحات) أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة، ومفردها موشح ينظم فمعناها منظومة موشحة أي مزينة؛ ولذا لا يقال قصيدة موشحة لأن لفظ القصيدة خاص بأشعار العرب المنظومة في البحور الستة عشر كما جاءت في علم العروض.
ظهورها ونشأتها:
والموشحات قد نشأت في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكانت نشأتها في تلك الفترة التي حكم فيها الأمير عبدالله، وفي هذه السنين التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب،وقوي احتكاك العنصر العربي بالعنصر الاسباني من جانب آخر،فكانت نشأة الموشحات استجابة لحاجة فنية أولاً،ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانياً.أما كونها استجابة لحاجة فنية فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب وأشاع فيهم فنه والموسيقى والغناء إذا ازدهرا كان لازدهارهما تأثير في الشعر أي تأثير، وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العصر العباسي، وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى في الفترة التي نسوق عنها الحديث، فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بتخلف القصيدة الموحدة إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم أمام النغم في حاضره التجديدي المرن، وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساساً من أسسه فهو ينظم ابتداء التلحين والغناء،و أما كون نشأة الموشحات قد جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية فبيانه أن العرب امتزجوا بالأسبان، وألفوا شعباً جديداً فيه عروبة وفيه اسبانية وكان من مظاهر الامتزاج أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية كما عرف العامية العربية، أي أنه كان هناك ازدواج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.
تطور الموشحات:
وقد كانت فترة نشأة الموشحات كفترة نشأة أي فن من حيث مشاهدتها لأولى المحاولات التي غالباً ما يعفى عليها الزمن،ومن هنا ولبعد الزمن بتلك الفترة لم تبقَ لنا من هذه الموشحات الأولى التي نظمها مقدم و أمثاله أي نماذج. ولكننا نستطيع أن نتصورها موشحات بسيطة كلها باللغة العربية ماعدا الخرجة التي تكتب باللغة الأندلسية المحلية،كما كانت ترضي معانيها ولغتها و أغراضها حاجة الأندلسيين حينئذ، وتعكس اختلاط عنصريهما وامتزاج لغتيهما وشيوع الغناء والموسيقى بينهم.
وقد تطورت الموشحات بعد فترة من نشأتها تطورات عديدة وكان من أهمها تطور أصابها في القرن الخامس الهجري أيام ملوك الطوائف،ثم تطور آخر بعد ذلك بقليل فرع عنها ما يسمى بالزجل حتى أصبح هذا الاتجاه الشعبي ممثلاً في لونين:لون الموشحات وقد صارت تكتب جميعاً باللغة الفصحى، ولون الأزجال وقد صارت تكتب جميعاً باللغة العامية، وانتقل هذان اللونان من الأندلس إلى المشرق فكثر فيه الوشاحون والزجالون ، وعرفهما كذلك الأدب الأوروبي، فتأثر بهما شعراء جنوب فرنسا المسلمون (التروبادور) كما تأثر بهما كثيرون من الشعراء الأسبان الغنائيين، وانتقل التأثير إلى الشعر الايطالي ممثلاً في عدة أنواع مثل النوع الديني المسمى (لاوديس) والنوع الغنائي المسمى (بالاتا).
وقد تطورت الموشحات بعد فترة من نشأتها تطورات عديدة وكان من أهمها تطور أصابها في القرن الخامس الهجري أيام ملوك الطوائف،ثم تطور آخر بعد ذلك بقليل فرع عنها ما يسمى بالزجل حتى أصبح هذا الاتجاه الشعبي ممثلاً في لونين:لون الموشحات وقد صارت تكتب جميعاً باللغة الفصحى، ولون الأزجال وقد صارت تكتب جميعاً باللغة العامية، وانتقل هذان اللونان من الأندلس إلى المشرق فكثر فيه الوشاحون والزجالون ، وعرفهما كذلك الأدب الأوروبي، فتأثر بهما شعراء جنوب فرنسا المسلمون (التروبادور) كما تأثر بهما كثيرون من الشعراء الأسبان الغنائيين، وانتقل التأثير إلى الشعر الايطالي ممثلاً في عدة أنواع مثل النوع الديني المسمى (لاوديس) والنوع الغنائي المسمى (بالاتا).
الرواد من شعراء الموشح:
اخترع فن التوشيح الأندلسي مقدم بن معافى القبري،ويجيء اسم أحمد بن عبدربه صاحب العقد الفريد في مقدمة مبتدعي الموشحات في الأندلس، أما المؤلف الفعلي لهذا الفن كما أجمع المؤرخين فهو أبوبكر عبادة بن ماء السماء المتوفى عام422هـ،ثم يجيء بعد ذلك عبادة القزاز، ثم الأعمى التطيلي كبير شعراء الموشحات،في عصر المرابطين المتوفى عام 520هـ،وابن باجه الفيلسوف الشاعر المتوفى 533هـ، ولسان الدين بن الخطيب وزير بني الأحمر بغرناطة المتوفى سنة 776هـ.
استمر هذا الفن في الأندلس منذ أن جددت مدرسة زرياب في الشعر،فأخرجت لنا الموشحات إلى أن سقطت غرناطة في القرن التاسع الهجري 879هـ،وفي المشرق كان الفضل لابن سناء الملك المصري المتوفى608هـ ـ 1212م في انتشار فن الموشحات في مصر والشام وهو صاحب موشحة :
استمر هذا الفن في الأندلس منذ أن جددت مدرسة زرياب في الشعر،فأخرجت لنا الموشحات إلى أن سقطت غرناطة في القرن التاسع الهجري 879هـ،وفي المشرق كان الفضل لابن سناء الملك المصري المتوفى608هـ ـ 1212م في انتشار فن الموشحات في مصر والشام وهو صاحب موشحة :
كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى
و اجعلي سوارها منعطف الجدول
ورئاسة فن التوشيح فهي لأبي عبدالله بن الخطيب صاحب الموشحة الشهيرة "جادك الغيث" توفي أبو عبدالله سنة 1374م في مدينة فاس شاعر الأندلس والمغرب تولى الوزارة بغرناطة عُرِف بذي الوزارتين(الأدب والسيف)وتعتبر موشحة ابن الخطيب من أشهر الموشحات وأغناها بالفكرة والصورة والإحساس والتلوين الكلامي.
درس الطب والفلسفة والفقه واللغة و الأدب وخدم الوزير علي بن الجياب واستوزره بنو الأحمر، ألّف حوالي ستين كتاباً معظمها في التاريخ والجغرافيا و الأدب والطب، أهمها (الإحاطة في تاريخ غرناطة)،و( اللمحة البدرية في الدولة النصرية)،و(معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار)، و(خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف)،و(ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب)، وله خطب معروفة ورسائل مطنبة ومسجوعة،و موشحات رقيقة، وديوان شعر،ويعد لسان الدين من أعظم رجال الأندلس في عهدها الأخير.
يقول لسان الدين بن الخطيب: جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمـــان الـوصل بالأنــدلـــسِ
ورئاسة فن التوشيح فهي لأبي عبدالله بن الخطيب صاحب الموشحة الشهيرة "جادك الغيث" توفي أبو عبدالله سنة 1374م في مدينة فاس شاعر الأندلس والمغرب تولى الوزارة بغرناطة عُرِف بذي الوزارتين(الأدب والسيف)وتعتبر موشحة ابن الخطيب من أشهر الموشحات وأغناها بالفكرة والصورة والإحساس والتلوين الكلامي.
درس الطب والفلسفة والفقه واللغة و الأدب وخدم الوزير علي بن الجياب واستوزره بنو الأحمر، ألّف حوالي ستين كتاباً معظمها في التاريخ والجغرافيا و الأدب والطب، أهمها (الإحاطة في تاريخ غرناطة)،و( اللمحة البدرية في الدولة النصرية)،و(معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار)، و(خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف)،و(ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب)، وله خطب معروفة ورسائل مطنبة ومسجوعة،و موشحات رقيقة، وديوان شعر،ويعد لسان الدين من أعظم رجال الأندلس في عهدها الأخير.
يقول لسان الدين بن الخطيب: جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمـــان الـوصل بالأنــدلـــسِ
رائع جدا
ردحذف